Thursday, February 22, 2007

رزق من الســــماء

خرج أحمد من البيت ومعه زوجته أمينة فى مساء يوم الجمعة الماضى لمشاهدة فيلم " الكونتيسة الحافية "..


وكان أحمد يحب أمينة زوجته ويصحبها معه إلى السينما وإلى الأوبرا وإلى حفلات الموسيقى الكلاسيكية وإلى معارض الفن .. وإلى كل ما يتصل بالثقافة العامة .. ليرفه عنها ويوسع مداركها ويجعلها أكثر ادراكا وفهما للحياة .وكانا سعيدين كزوجين وقد رزقهما الله بغلام واحد جاء بعد يأس .. وكان فى سنته الأولى ذابلا وعليلا أبدا وميؤسا من حياته . فكانت الأم ترفع وجهها إلى السماء وتدعو له

واقترب مولد النبى .. فنذرت له خروفا توزعه على الفقــراء فى كل مولد وشفى الغلام وعاش حتى دخل الروضة .وكان والداه يحبانه حبا جما ويحبسان نفسيهما فى البيت لملاعبته ولايخرجان إلا بعد أن ينام .كان لهما كل شىء فى الحياة ..

ومن سن الرابعة عرف الغلام أن الخروف الذى يذبح فى المولد هو خروفه ، فكان يذهب مع الخادمة ليوزع " اللحم " على الفقراء فى الحى بيتا .. بيتا .. ويشعر بسعادة تامة وبلذة إذا ركب حصانا حقيقيا إو صعد على بساط الريح ..

وأصبح الغلام يترقب المولد النبوى لأنه عيده .. فيذهب مع والده إلى سوق المطرية ويشترى الخروف .. ويربطه فى غرفة البواب ويقدم له الماء والعلف . ويجلس بجواره ينظر إليه بحنان ويمنع أطفال العمارة من ركوبه .. حتى تجىء ليلة المولد فينام فرحا يحلم بأمتع الأحلام ويستيقظ مع الفجر فيجد والده جالسا بجانب الراديو يستمع إلى ترتيل القرآن فى مسجد السيدة .. من الشيخ شعيشع .. والشيخ عبد الصمد ..وفى الشروق يذبح الخروف وينقلب البيت إلى حركة مستمرة وفرح .

ولكن فى هذه السنة لم يذبح الخروف فى المولد كالعادة .. لأن الأسرة كانت فى أيام المولد فى الإسكندرية ..وكان أحمد يود أن يشتريه ويوزعه على الفقراء بمجرد عودته .. ولكن مشاغل الحياة صرفته عن تنفيذ ما اعتزم عليه فنسى أو تعمد النسيان .وخرج الزوجان من السينما .. وكانت الأتوبيسات مزدحمة فركبا " تكسى " إلى البيت .وكانت الخادمة نائمة فى غرفة ابنهما لتؤنسه .. فلم تر أمينة ايقاظها وأخذت تعد العشاء .

وكان أحمد يلاحظ أن زوجته تصفو نفسها بعد هذه النزهة وتصبح مرحا طروبا .. وتنسى التوافه التى تشغل بال النساء .وسألها وهى تخلع ملابس الخروج ..ـ عجبك الفيلم ؟ـ بديع .. بس كنا عاوزين نشوف الراجل ده شكله إيه .. اللى بيجر الكونتيسه إلى الوحل ..وضحكت لتوهمه بأنها هازلة ولكنه كان يعرف أنها جادة وأنها تتكلم بلسان المرأة وشعورها الطبيعى .

ـ والحوار .. ما كنش فوق مستوى الجمهور ..؟ـ أنت فاكر الجمهور رايح علشان يفهم الحوار ..؟ـ أمال علشان آفا جاردنر ؟ـ طبعا .. وكفاية يشوفها لابسه المايوه .. وطالعة من البحر .. الله .. الخاتم يا أحمد .. الخاتم ! . ـ إيه .. مالك زعجتينى ..؟ـ الخاتم .. مش فى صباعى .. سقط .. أنا عارفه النهارده الجمعة ولازم .. يحصل حاجة ..ـ احنا مش فى الجمعة دلوقت .. دورى كويس وبلاش عصبية .. وان راح فداك ..ـ كان فى صبـاعى وحاسه بيه لغاية ما نزلت من التاكسى ..

وأخذا يبحثان فى كل مكان فى البيت .. ونزل الزوج إلى السلم وبحث فى مدخل العمارة وعلى الرصيف فلم يعثر على شىء ..واغرورقت عينا الزوجة بالدمع وأخذت تصيح :ـ دا بدل الخروف .. اللى بخلت توزعه على الفقرا السنة دى .. أهو ضاع ثمنه مضروب فى ثلاثة علشان يعجبك ..وأخذ أحمد يهدىء من روعها ولكنها نامت باكية .

وفى الصباح بحثت فى كل مكان عن الخاتم ولكن دون نتيجة . وجلس الزوج فى الضحى يلاعب ابنه فى الشرفة ويستدفىء بشمس الشتاء ولمح وهو جالس رجلا عجوزا يزحف على الرصيف الآخر .. ثم رآه يعبر الطريق ويقترب من بيته .. وعندما اقترب لاحظ أنه يلبس ملابس بالية وفى حالة لاتوصف من التعاسة والفقر والجوع وكان يزحف زحفا وينظر إلى الأرض ليجد كسرة خبز .. ورآه أحمد ينحنى ويلتقط شيئا من الأرض ويرفع وجهه إلى السماء وينظر وقد غمره الفرح وهزه ..كان هذا الشىء هو خاتم زوجته الضائع .وهتف أحمد بالخادمة ليقول لها بأن تنزل وتأتى بالخاتم من الرجل قبل أن يبعد .ولكن الخادمة كانت بعيدة مع سيدتها فى المطبخ فلم تسمع .. فكرر النداء .. وكان فى خلال ذلك ينظر إلى الرجل العجوز ويفكر فى مقدار ما يصيبه من خيبة الأمل والتعاسة .. عندما يأخذ منه هذا الخاتم .. رزقه الذى هبط عليه من السماء .. فكر فى السعادة التى يعيش فيها العجوز فى هذه اللحظة .. وقرر ألايسلبها منه .. وقال لنفسه إن الإنسان يعيش ليعطى السعادة للآخرين لاليأخذها منهم ..

وعندما جاءت الخادمة .. وسألته عما يطلب ..قال لها فى هدوء :ـ روحى هاتى البدلة من المكوجى ..ولم يشعر بمثل هذه السعادة فى حياته

=================================

نشرت القصة بمجموعة " الجمال الحزين " لمحمود البدوى عام1962

Tuesday, February 6, 2007

انصتي إلى طفلك الغاضب ولا تعنفيه

يولد الطفل وحب الأسرة والأهل والتعاون موجود في دمه وذلك بحكم الفطرة السليمة, كما أنه قادر على اللعب واللهو, والتعلم, والائتمان على الأسرار بشكل رائع؛ لكن عندما يبدأ الطفل بالتمرد والصراخ ومحاولة أخذ ما ليس له بالقوة, فهذا يدل على أن الطفل بحاجة ماسة لمن يقف إلى جانبه


إذ يجب أن يتفهم الأهل وينتبهون إلى أن الطفل لا يستطيع التفكير بعقلانية تحت الضغوط, ويصبح غير قادر على الاستيعاب في حال وجود من يصرخ في وجهه.فالأهل لهم دور إيجابي كبير في وضع حدود لتصرفات أطفالهم, وفي كسب ودهم وثقتهم, وتخفيف الضغط النفسي عنهم, وفي حال بدأ الطفل بالتصرف بطريقة غير منطقية؛ فأفضل ما ينصح به الخبراء النفسيون في هذه الحالة, هو التعامل مع الطفل كإنسان ناضج في إطار من الطفولة.

ويكون ذلك من خلال ترك الطفل يتحدث مع الإنصات له والتفهم لأسبابه التي تدفعه لبعض التصرفات الغير منطقية, وبذلك ينفس عن مشاعر الغضب التي تعتريه, ويشعر بازدياد قربه من أهله, على أن لا يكون الأهل كالشرطي أو القاضي الذي يريد أن ينهي الموضوع بقرار حاسم لا رجعة فيه

وبعد الإنصات للطفل يأتي الآن دور الطفل في الإنصات للأهل, الذين لا بد لهم من أن يتحدثون ويشرحون للطفل عن أسباب معارضتهم له, وفي حال أصر الطفل على سلوكه غير المنطقي, يجب إخباره بأن هذا غير عادل لأنهم استمعوا لأسبابه ولم يعنفوه, بينما هو استمع لأسبابهم واعترض عليها, وبالتالي فهم سيأخذون القرار الأكثر منطقية لحمايته.وغالباً إذا بدأ أحد الوالدين بالتحدث مع الطفل سيبدأ بالبكاء, أو يصاب بنوبة غضب وهذا مؤشر جيد؛ لأنه هذه الطريقة ستساعده على التخلص من التوتر, كما أن احتضان الطفل في هذه اللحظة بالذات سيساعده أكثر على التخلص من جميع المشاعر السلبية, ويكون قادراً على الإنصات بشكل أفضل,

وستزداد قدرته على التعاون والشفاء من الضغط النفسي.فالاستماع إلى وجهة نظر الطفل ستعطي نتائج فعالة أكثر من أي محاضرة أو تهديد أو عقاب, وسيشعر بأنه قريب من أهله أكثر وبأنهم بمثابة أصدقاء وأصحاب, وبالتالي سيستمع لنصيحتهم أكثر وأسرع.