Sunday, March 7, 2010

الحشمة تعلم الطفل احترام ذاته وحمايتها


"لاتجلس بهذه الطريقة عيب" , "لا تمشي عاريا هكذا عيب" هذا نموذج من العبارات التي يستخدمها الأهل لتدريب أولادهم على الحشمة فماهي الحشمة ومتى تبدأ عند الأولاد؟؟
يمكن تعريف الحشمة بأنها احترام خصوصية الذات، وفي الوقت نفسه خصوصية الأخرين. وهي ترتبط بشكل عام عند اغلبية الناس بالجسد وبالمواضيع الجنسية. لكنها في الحقيقة لا تقف عند هذا الحد، بل تصل الى الحشمة في الأحاسيس. وهي تتغير بعض الشئ من زمن الى آخر، ومن مجتمع الى آخر، فكيف تولد عند الإنسان ومتى؟ وما هي اوجه تطبيقاتها؟
لا تعرف الحشمة معنى حقيقيا قبل مرحلة المراهقة التي تتميز باكتشاف الخصوصية، لكن التحضير لها من المفروض أن يبدأ في مرحلة الطفولة، وذلك عبر عادات يمكن تعليمها للطفل منذ نعمومة أظافره، ومنها بعض السلوكيات التي تنمي ارادته: المهمات الصغيرة الموكلة اليه في المنزل، متابعة جدول معين، تلبيه النداء بسرعة، وحتى لو بدت التصرفات غير مهمة الا انها تساعد الطفل في المواجهة.
ويليها التصرفات المرتبطة بخصوصية كل من افراد العائلة، مثلا تدريب الطفل على الاستئذان: كأن يطرق الباب قبل الدخول الى غرفة احدهم، التكلم مع الاهل في الامور المهمة على انفراد(عندما نريد توجيه ملاحظة الى الطفل على خطأ ارتكبه ، ويفترض بنا أن نأخذ على حده ونوجهه)، عدم التنقل في المنزل نصف عار... الخ.كل هذه الأمور تساعد على نمو الوعي.
التربية الجنسية:هي وجه آخر من وجوه الحشمة، فيقوم الأبوان بإعطاء المعلومات تدريجيا لطفلهم عند سؤاله عن مصدر الحياة (لا نتطرق الى المواضيع الجنسية الا بناء على بناء الطفل)، وبما يتأقلم مع عقليته وقدرته الذهنية على الاستيعاب اي ان تكون الاجابة على قدر السؤال، ملبين بذلك فضوله الطبيعي، ومتجنبين اكتشاف الاولاد الحقيقة بطريقة مغلوطة (مجلات، افلام، الانترنت او يشاهدون العلاقة الجنسية شخصيا..) او ان يكتشفوها من خلال حديث غير صحي مع صديق.
وقد احاطت الاديان المواضيع الجنسية بهالة من القداسة ودعت الى احترامها.ونلاحظ ان الاسلام قد تحدث عن هذه المسألة وعن الأعضاء الجنسية بشكل صريح في الكتاب والسنة، الامر الذي يعني ان مفردات الجنس ليست اشياء معيبة في الثقافة الاسلامية، حتى الاسلام يعبر عن عقد الزواج بكلمة، النكاح التي هي اقرب الكلمات الى العملية الجنسية في الجانب العملي منها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النكاح من سنتي ومن لم يعمل بسنتي فليس مني".
اما المونسيور اسكريفا دوبلاغيه فيقول ان العلاقة الجنسية بحد ذاتها نبيلة ومقدسة، لذلك على الاهل ان يعتبروها كذلك، وينقلوها الى اطفالهم بالطريقة نفسها، عبر اجابتهم على اسئلة الاطفال الطبيعية عن كيق (ولدوا)، فهذه خطوة مهمة جدا لتقوية الصداقة والثقة بأولادهم. ولطالما كان التكلم عن الجنس موضوعا مربكا جدا للأهل ، وأغلب الأحيان لا يعرفون كيفية الاجابة على اسئلة اطفالهم الجنسية الطبيعية، اما لاسباب نفسية، لذلك يلجأون الى التهرب من السؤال او الاجابة الى المغلوطة مما يولد لدى الطفل رادع ذاتي في التحدث عن هذا الموضوع فكيف يمكن التكلم عن المحرمات (العيب) التي تمنع عن الكلام، والذي يعبر عنها عبر مواقف وتصرفات غير كلامية، فنرى الاولاد يواجهون هذه المواضيع اما بالسكوت او الانزعاج او الضحك؟
وهذا شئ يمكن ان يدفع الاولاد للجوء الى مراجع اخرى تجيبهم على اسئلتهم، وايا يكن المرجع الذي يجيب على هذه الاسئلة غير الاهل فهو اما مضر او غير مفيد، واجابة الاهل على اسئلة الأطفال تزيد من ثقة وطمأنينة هؤلاء بمرجعهم، ويشعرون بأن لديهم مرجعا موثوقا يمكن اللجوء اليه عند حاجتهم لمعرفة المزيد.
لذلك من الضروري تخطي الخوف من صدم الطفل او عدم القدرة على اعطاء المعلومات الوافية، لان الاجابة على هذه الاسئلة، حتى لو كانت غير كافية او بطريقة عشوائية افضل بكثير من عدم الاجابة او الاجابة المغلوطة ، وبالامكان استخدام المصطلحات ذاتها التي يستعملها الطفل للاجابة على سؤاله، كما يمكنكم الحصول على مراجع مختصة بالاطفال، وكيفية تفسير الحياة الجنسية لهم،آخذين بعين الاعتبار، ليس فقط عمرهم، بل قدرتهم الجسدية والذهنية ومفهوم البلد والمدينة والحي والمجتمع. العريمنذ نعومة أظفاره يهتم الطفل بجسده، كما يحاول اكتشاف احاسيسه، ثم يحاول اكتشاف جسم الآخر، شبيهه، وأهله، والعري بحد ذاته أمر طبيعي، فليس نادراً رؤية الأطفال يركضون عراة عند حوض السباحة، ثم يأتي وقت تتغير فيه نظرة الطفل، وتظهر عنده الحاجة للتستر، عندها على البالغ قبول هذا التغيير بالموقف كإشارة الى البلوغ، والتعبير عن القوة النفسية للطفل وتشجيعه لانه يخرج من علاقة انصهارية مع امه ليضع اساس "دائرته الخاصة".
وبشكل عام، العري، الخصوصية، الحشمة لا تعرّف عند كل عائلة بالطريقة نفسها، فبعضهم يكون العري لديهم امراً طبيعياً، على الأقل عندما يكون الطفل في عمر صغير، ومنهم من لا يعتبرون جسم الطفل ممنوعاً ولا يشعرون بأي انزعاج لرؤيته أو مشاركته الحمام مثلاً.وفي أغلب الاوقات، فإن العادات تتغير بطريقة طبيعية ومن دون تفكير عند بلوغ الطفل، لذلك فإن نظرة العاري لنفسه وللآخر كما نظرة المتفرّج اليه تختلف أو تصبح جنسية، وهذه النظرة هي التي لا تسمح بالعري في العائلة.
وأحياناً، فإن الطفل هو الذي يطالب بخصوصيته اولا، وليس نادراً ان نرى طفلاً، بعد استماعه الى التربية الجنسية في المدرسة، يتحول الى شخص حتشم، وهذا يمكن ان يصدم بعض الاهل لاعتبارهم ان طفلهم ينبذهم، ولكن، ليس على الطفل ان يبرر لماذا هو محتشم، بل على الاهل ان يتقبلوا هذا التصرف ويحترموه.أما بالنسبة للبعض الآخر، فإن العري في العائلة غير مقبول، سواء عند الاهل ام عند الطفل، لاسباب مختلفة: اغلب الاحيان، الحشمة هي التي تقودهم، متأثرين طبعاً بقصتهم العائلية، الثقافية أو الدينية.وعندما يكون العري ممنوعاً بشكل صارم يمكن ان يعطي ذلك للطفل مفهوماً خاطئاً عن جسده بأنه معيب ويجب أن يكون مستوراً.
"حشمة الأحاسيس"هي ايضاً موجودة بقوة، فبعض الاهل يمارسون ما يمكن تسميته بقمع الاحاسيس تحت راية الحشمة، فالتعبير عن الألم، الحزن وحتى الفرح عند البعض هي اشارات لعدم الحياء او المبالغة (عيب)، صحيح ان لكل اسرة اساليب تربوية معينة، وليس خطأ أن يضع الأهل قواعد لطريقة التصرف عند الولد لكن الافضل التفسير له وليس منعه لكلمة عيب على كل ما يصدر منه فمثلا عندما تضحك الفتاة بصوت عال تبادر الام مثلا الى قول "عيب" لا تضحكي بصوت عال، لكن يمكن ان نفسر لها انها تستطيع ان تقوم بهذا الامر شرط ان لا تزعج الاخرين لكن ليس للامر اي صلة بالعيب.
وكذلك الأمر بالنسبة لبكاء الصبي اذ قد نرى العديد من الآباء يدخلون غرفة أولادهم ليمنعونهم من التعبير عن مشاعرهم بقول "عيب تبكي انت رجل والرجال لايبكون".ان اكتشاف الجسد عند الطفل واكتشافه لذاته مهم جداً لاحترام جسده، لذلك عندما ترون الطفل يداعب نفسه، او اذا كان في غرفته يجب عليكم الا تشعروه بأنه مخطىء، وان هذا عيب اما اذا كان يفعل ذلك علنا امام الناس فمن المفترض التفسير له من دون صراخ، بأن ذلك امر شخصي وخاص جداً، ويجب عليه احترامه والاحتفاظ به لنفسه.
كيف تعلم الطفل احترام جسده كما جسد الآخر؟احترام الجسد اساسي في تعليم الحشمة، لذا على الأهل تسمية الاعضاء الجنسية كل بحسب قناعاته (فعدم التكلم عن الاعضاء الجنسية يعني انها غير موجودة) والتكلم عن احترام جسدنا وجسد الآخر من دون استخفاف او استهزاء، وتعبير الطفل بحرية عن أحاسيسه ومشاعره يساعده في بناء ثقته بنفسه وتقديرها، ويمكن ايضاً أن تكون بمثابة وقاية من التحرش الجنسي، ومن المهم تثقيف الطفل عن الحشمة، فمن غير الضروري مثلاً تغيير الحفاظ او ملابس الطفل علنا عندما نستطيع ان نختلي به، والحشمة تسمح للطفل بأنسنة جنسه، وادراك انه مختلف عن الحيوانات، وهكذا فإن الحشمة تساعد الاطفال على فهم مكانتهم.
ان عري الاهل هو جزء من خصوصيتهم الجنسية، وليس على الطفل ان يخترق هذه الخصوصية، اما في ما يتعلق بخصوصيته فإنه يعرضها في أغلب الاحيان رغبة في الاغراء، لكن يجب على الابوين ان يضعا حداً له، فهذا يساعده على أن يصبح مستقلاً، مثلاً عند دخول الحمام على جميع افراد المنزل ان يغلقوا الباب بمن فيهم هو.الاستحمام مثل آخر على الاستقلالية واحترام الجسد، إبتدأ من عمر السنتين او السنتين ونصف السنة، وعندما يكون الطفل قد استغنى عن الحفاض، يمكنه الاستحمام بمفرده، طبعاً بمراقبة الاهل.العقاب بالصفع على المؤخرة او الضرب يعطي الطفل مفهوماً بأن أي شخص يمكنه استخدام جسده لمآربه الخاصة (فشة خلق) مثلاً، وهذا لا يساعده ابداً على احترام جسده، كما يعرضه لقبول التحرش الجنسي من بالغ آخر، لان خصوصيته وحشمته منتهكة من أقرب الناس اليه.
مثلاً تخيل نفسك كشخص بالغ في مقر عملك وعند ارتكابك لخطأ ما يأتي المدير، ويؤنبك ويضربك على مؤخرتك عقاباً على ما فعلته، بماذا ستشعر؟ ستشعر اولاً بأنه قلل من احترامك وانتهك خصوصيتك، ولا فرق بين شعورك وشعور الطفل ولكن الفرق في المفهوم، انت تعرف ان هذا خطأ وان ليس من حقه التصرف هكذا ومن المستحيل ان يقوم بذلك، لكن الطفل بصفته الضعيف والمتلقي يعتبر انه هو المخطأ وان من حقك التصرف هكذا، وهذا المفهوم بالذات لا يجب تلقينه للطفل، لان ذلك يجعله عرضة لانتهاك خصوصيته من اي أحد، خصوصاً عند التحرش الجنسي اذ يعتبر الطفل ان هذا خطأه وهو الذي دفع البالغ الى فعل ما فعله به وبذلك يكون خائفاً ولا يرجع الى الاهل لاخبارهم ولكن اذا كان واثقاً من مرجعه فإنه يلجأ اليه.